RSS

الإنسان الأعلى والمعنى

في البدء كان المعنى ثم بُعث الإنسان، فالمولى ـ جل شأنه ـ أوجد المعنى وخلق الإنسان ليتمثله من بعدُ، فصيره إليه وصير الإنسان له، وشاءت حكمته ـ عز وجل ـ أن تتعدد المعاني وتتنوع؛ لتتناسب مع حقيقة كون بنو آدم ليسوا على شاكلة واحدة، ولا على درجة واحدة فيما وهبه إياهم من منح وقدرات ومواهب؛ ورغم تعدد الروافد فالمنبع والمصب واحد، وقد تضيق تلك الروافد وتتسع، ليتناسب هذا طرديًا مع مدى النفع من وراءها.

ألا وإنَّ الإنسان مطالب بأن يتوقف متأملاً متسائلاً عن سر وجوده في تلك الحياة، أيكون قد خُلق عبثًا؟!، بالقطع لا، إذن فما الذي يقف حائلاً بيننا وبين الجواب عن سؤالنا هذا بالإيجاب؟، هو كامن في ذات كل منا، إنَّه المعنى، وما من شك إن ولينا وجوهنا شطر ذواتنا نستوري زندها لأورت لنا به، لنهتدي إليه، فالله ما خلقه إلا لنا، وما خُلقنا نحن إلا لنتمثله، لكنَّ كثيرًا من الناس، وربما الغالبية منهم، لفظوا ويلفظون ـ ويا للعجب ـ ما لا تتحقق إنسانيتهم إلا به؛ فمنهم من تمثَّل معناه في حلم شخصي ألهته عجلة الحياة الدائرة ـ بسرعة مخيفة في عصرنا هذا ـ عن تحقيقه، ومنهم من أبصر المعنى في إبداع أراده لنفسه فصده عن بلوغه أرباب التقليد والجمود، فاستسلم مذعنًا لمشيئتهم؛ ومنهم من نشد الجمال فواجه القبح يحيط به من كل مكان، فارتد مهزومًا مدحورًا، ومنهم من طلب العلا فلاقى من الصعاب في الصعود ما أرهبه و أثناه عن مطلبه، فنزل عنه، لتسيره الحياة بعد ذلك كيفما شاءت؛ ومنهم من عاش حياته دون أن تطلعه نفسه على معنى، فمضي به العمر وهو واقع أسير للامعنى.

كل هؤلاء أعرضوا عنه، وأقبلوا على حياة بهيمية، نشاطهم فيها لا يستثيره إلا حاجة من تلك الحاجات التي يتشاركونها مع الحيوان الأعجم، بينما تقضي حيواتهم الإنسانية نحبها، لتلفظ أنفاسها نفسًا نفسًا بتجاهلهم للمعنى، وهم في لهاثهم وراء حاجاتهم تلك لا يشعرون، لتمضي حياة الفرد منهم أشبه ما تكون بحياة السائمة السائبة في الفلاة لا تعي اتجاهًا لسيرها، ولا هدفًا تسعى لبلوغه.

بيد أنَّه، وكما أشرنا آنفًا، فإنَّ وجود الإنسان متصل منذ البدء بالمعنى، لذا تجده قد يصطنع لنفسه معني موهومًا غير حقيقي إذا عَسُر عليه ارتياد دروب المعنى الحقيقي، فمثلاً قد نجد شخصًا نبذ عن كاهله واجبه المقدس القاضي بتحرير وطنه الرازح تحت نير احتلال غشوم، أو نظام استبدادي ظالم ـ وهذا النوع من المعنى من المفترض أن يضم تحت عباءته المجتمع بأكمله ـ مدعيًا أن رسالته في الحياة موقوفة علي تربيته واعتنائه بأولاده، ولو تأمل مثل هذا ـ قليلاً ـ اعتقاده ذاك لأدرك أن ما يعتقده رسالة أو معنى لحياته لا يمكن أن يكون هو ذاك المعنى الذي اختصه به الله، لأنَّه في هذا هو والحيوان الأعجم سواء بسواء، فالاعتناء بالأبناء غريزة فُطر عليها بنو الإنسان والحيوان، فهم يتشاركونها كما يتشاركون في عديد من الغرائز؛ وإن كان الحيوان حياته كلها استجابة لغرائز جُبل عليها، فذلك مرده أنَّ الله لم يؤهله لغير هذا، إذن فلا تثريب عليه؛ ولكن التثريب كل التثريب، والخسران كل الخسران، لمن مُنح ففرط، وأُكرم فأبى إلا أن يتردى في وحل الانحطاط، وأُحسن إليه فعق محسنه.

إنَّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ لم يميز الفرد من بني آدم عن بقية مخلوقاته التي تقاسمه الحياة على الأرض، ليكتفي هو من وجوده الفريد هذا باقتفاء أثر حياة تلك المخلوقات الدنيئة، فإكرام الله له كان ليعلو عليها، فإن ارتأى ذاك الفرد من بعدُ أنَّه لا يملك ما يؤهله ليشق به سبيله إلى تمثل معنى من المعاني ـ والذي به يكون علوه ـ كهذا الذي ظن أنه غير مؤهل للمشاركة في دفع البلاء عن وطنه، كان هذا الفرد باعتناقه لتلك الفكرة عاق لخالقه، كافر بنعمته عليه؛ الله صوره علي أحسن صورة، اختصه بالعقل والحرية، وأهاب به أن يتكأ عليهما ليبلِّغانه المعنى الذي آثره به زيادة في إكرامه، فيؤثر ذلك الآبق الضعة على العيش الكريم!، والانحطاط على حياة العلو!، ظانا أنَّه لا يقدر علي إتيان تكاليف علوه ذاك!.

ألا وإنَّ الحكيم العدل ـ تبارك وتعالى ـ لن يُسائل غير ابن آدم ـ من بين مخلوقاته ـ عن حرية أُزهِقت روحها بفعل الجبن والخنوع، أو عن علم قُبِرَ خشيةَ ورياء، أو…، لأنَّه وكما ذهب الفيلسوف “كانط” “إن كان لك استطاعة فلأن عليك واجبًا”، كذلك وجب على الإنسان أن يؤدي لخالقه شكر استطاعته تلك، أي حق تفضيله له، أيكون ذلك بأن تكون سيرة حياته مماثلة لسيرة حياة الحيوان الأعجم؟!، بل إنَّ سَوْقَ الفرد ـ من نوع ما ذكرنا أعلاه ـ إلى مقارنة مع الحيوان، ليحمل ظلمًا صارخًا للأخير يربأ به عن نفسه، ولو استطاع نطقًا لتساءل متعجبًا: وهل يستوي المسيَّر والمخيَّر؟!، ولتابع متأففًا في أنفة واستعلاء قائلاً: بل إنَّ مثل هذا لهو أحط مني وأدنى مرتبة، ذلك أنَّه قد كُتب علي الدنو فدنوت، أما مثل هذا فأريد له العلو فآثر مختارًا حياة الدنايا!.

وقد ميَّز الفيلسوف الألماني “هيجل” بين نوعين من الوعي، فألزم الحيوان ألا يتخطى عتبة الوعي، ذلك أنَّه قادر ـ فقط ـ على الإدراك أو الإحساس بالأشياء الجزئية، التي تزخر بها البيئة من حوله، فلا إمكانية لديه أن يجاوز هذا الحد، حيث لا استطاعة له في التعبير عن إحساسه ذاك، أما الإنسان فهو يملك تلك الاستطاعة، إذ لا يقف عند حد إدراك موضوعات العالم من حوله، بل يتجاوزها ليدرك هذا الوعي ذاته. ونضيف إلى تلك المرتبتين ـ من الوعي ـ مرتبة ثالثة يتفرد بها الإنسان الأعلى، وهي مرتبة الوعي بالمعنى (المتجاوز).

وتلك المساحة ـ التي يحتلها المعنى ـ تتسع كأقصى ما يكون الاتساع في حياة الإنسان الأعلى، حتى لتصبح حياته ذاتها مرهونة للمعنى؛ إذ لا يشغله عن معناه شاغل، ولا يتوهمه أو يخلط بينه وبين أي شيء آخر، وهو في اندفاعه إليه كالنهر في سريانه نحو مصبه؛ لا يملك توقفًا ولا تعديلاً لمساره، والمعنى لديه قد تترامى أطرافه ليبلغ مداه وطن بأكمله أو أمة بعينها أو العالم بأسره؛ إذ أنَّ إنساننا ذاك قد أُختص من المعاني بأشرفها، وأوسعها مجالاً، ليقوم حارسًا أمينًا عليها؛ ذلك أنَّه هيَّأ لها من نفسه منزلاً ومستقرًا، بما حصّله من معارف، وبما راض به ذاته من طلب لمعالي الأمور، يدفعه لسعيه الحثيث في الدعوة له ـ أي المعنى ـ والعمل من أجل تحقيقه عاطفة جياشة تفيض بين الحين والآخر فتلهب نفسه شوقًا إليه، وتَقوى دافعيته لإنفاذه إلى أرض الواقع بالإدراك الواضح لكنهه، ليمتاز بذلك كله عن طلابه أو أدعيائه العديدين، وينطلق الإنسان الأعلى من بعدُ في مسيره لا يلوي على شيء، نعم قد يصادف أثناء المسير الآلام والوحشة، لكنها آلام تقطر لذة؛ ووحشة تُغني عن أي أُنس.

إنَّه “المعني المجتمعي” إن أردنا تمييزًا له، وهذا “المعني المجتمعي” يمتاز عن النوع الأول من المعنى الذي عددنا بعضًا من صوره أعلاه، ويمكن لنا أن نضعه تحت مسمى “المعنى الشخصي”، نقول أنَّه يمتاز عنه في أنَّ “المعنى الشخصي” المجتمع فيه لا يعدو عن كونه المحيط المهيأ لبلوغ الهدف أو المعنى، ولا يتعارض هذا مع ما قد يلحق بالمجتمع من نفع، أما في “المعنى المجتمعي”، فالمجتمع هو المعنى ذاته، أو أن ما يستهدف تحقيقه يعود بصورة رئيسية عليه، كذلك نستطيع القول بأن “المعنى المجتمعي” هو المعنى المتجاوز حقا، أما “المعنى الشخصي” فهو وسيلة الحيوات الضعيفة للتجاوز. والفرد بإهماله للمعنى ـ بصفة عامة ـ خلال مسيرة حياته يكون بذلك جانيًا على نفسه أولاً، وتمتد هذه الجناية فتشمل المجتمع بأكمله ثانيا.

وإن كنا قد أقررنا تمايزًا بين نوعي “المعنى” السالف ذكرهما، لكن ذلك لا ينفي ما قد يتكون بينهما من رابطة، فكثيرًا ما كان “المعنى المجتمعي” ملهمًا ودافعًا لتحقيق “المعنى الشخصي”، ليكون تحقيق الأخير قنطرةً أو معبرًا موصلاً للأول من بعدُ، وإذا ما استهدفنا توضيحًا يجلو به ما قد غَمُض من العبارة السابقة، وتبسيطًا يقطع المسافة الفاصلة بين القارئ وبين بلوغه الفهم التام؛ فليحط رحالنا من علياء الفكرة المجردة إلى عالم الواقع المحسوس، متجهين صوب تاريخ مصر الحديث، وبالتحديد تجاه تلك الحقبة التي تميزت عن غيرها بتعدد القمم الفكرية والثقافية والسياسية، وهي فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، ففي هذه الحقبة سطع نجم “المعني المجتمعي” متمثلاً في شعار الاستقلال والدستور سطوعًا يخطف أبصار قارئ التاريخ إليها، ولم يقتصر سريان النور الذي بثه ذاك النجم على صالونات النخب والمثقفين دون بيوت العامة ومنازلهم، بل دفقت أشعته تتخلل العقول والعواطف جميعها، فاشتعلت الأنفس نشاطًا وحيويةً، وتضاعف الإنتاج الفكري والثقافي كمًا وكيفًا، وبرز علي السطح أولئك الكبار من مفكرين وعلماء وأدباء وسياسيين…، فسُلطت عليهم الأضواء، وشخصت إليهم الأبصار؛ ذلك أنَّ المجتمع بأكمله كان ينشد ما لديهم من بضاعة يستعين بها علي بلوغ المعنى الذي سكن وجدانه، واستبد به الشوق إليه، وتمثل ذاك المعنى حينها ـ كما أسلفنا ـ في شعار الاستقلال والدستور .

و”المعني المجتمعي” في هذه الحالة مَثل بداية الطاقة التي حفزت العقول النابهة على مضاعفة جهودها لبلوغه،  كما كان أيضًا بمثابة الربوة المرتفعة التي وقف عليها أولئك الكبار النابهون ؛ ليحيطهم الناس بأنظارهم آملين أن يبلِّغوهم ما نشدوه من استقلال وحرية ونهضة.

ويجمل بنا أن نعرض لصورة هي على النقيض مما قدمنا، لنبلغ بالوضوح إلى منتهاه، فلنقارن إذن بين الأنموذج السابق وبين فترة زمنية تكاد تخلو من “المعنى المجتمعي”، ولتكن ـ على سبيل المثال ـ الفترة الحالية، فنتيجة لانسحاب “المعنى المجتمعي” من وجدان الناس، واحتلاله ـ على استحياء ـ لركن صغير معتم من حياتنا، من ثم تدنت خصوبة المجتمع على إفراز مثل تلك القامات السامقة ـ كتلك التي برزت في الحقبة المشار إليها أعلاه ـ وحتى لو افترضنا وجود أمثال هؤلاء بيننا لما انتبه إليهم أحد أو لما احتفى بهم أحد، ذلك أن بضاعتهم  ـ لاختفاء “المعنى المجتمعي” ـ ستصبح غير رائجة، فأنظار الناس واهتماماتهم ـ في مثل هذا المجتمع مصرَّفة  إلى نجوم المجتمع الفارغ من “المعنى المجتمعي”، وهم الطفيليات والتافهون ( انظر حولك لترى من هم نجوم مجتمعنا ـ على سبيل المثال ـ إنَّه الممثل أو المغني أو لاعب الكرة، أو الراقصة أو في أحسن الأحوال السياسي المهرج أو الكاتب التنفيسي…).

الماهية (المعنى) والإنسان :

الماهية لدى الإنسان هي في حقيقة الأمر اكتشاف، وليست اختراع، كما أراد لها الوجوديون أن تكون، فالإنسان لديهم يتشكل “جوهره” أو ماهيته وفقًا لما يقوم به من أفعال خلال مسيرة حياته ـ بحسب التعريف الوجودي السارتري، (وسنعتمده ليُعرَّف به المعنى كذلك)، فهو ـ بحسب تلك الرؤية ـ ليس إلا مشروعًا أو تصميمًا يضعه الفرد لنفسه، لكن الإنسان ـ كما نراه ـ إنما هو يستكشف “ماهيته” (أي معناه)، فالأفعال التي يقع عليها الإنسان من نسيجها يتجسد المعنى ـ  فلا تكون أفعاله من بعدُ إلا تمثلاً للمعنى وانعكاسًا له، والماهية بذلك تكون سابقة على الوجود، لا العكس كما شاء لها سارتر أن تكون.

ونبصر الإنسان الأعلى، وقد استبطن معناه داخل ذاته، بل يصبح ـ أي المعنى ـ ذا قيمة أثمن من الذات؛ فلا غرو إذ ذاك أن نَخبُر الإنسان الأعلى يضحي بنفسه في سبيل إبراز معناه إلى حيز الوجود!، أما عند أولئك الذين جعلوا المعني أو “الماهية” من صنع الإنسان، فإنَّ مثل هذه التضحية تكون غير جائزة، فهل يجوز أن يُضحي الخالق بذاته من أجل مخلوق له؟!، يستطيع بكل بساطة أن ينحيه جانبًا ـ في حالة إن كان تمسكه به قد يشكل خطرًا عليه ـ ليبتدع أو يقوم بغيره.

وإذ يصبح المعنى صاحب اليد الطولى لدى الإنسان، لا تلبث خصائص ذاك الإنسان بأكملها، من قيم وأخلاق وميول ورغبات وطموح….إلخ أن تتشكل بما يتفق والمعنى، وبذا يُقَدَم المعنى، فلا حكم ولا سلطان إلا له؛ ولا يُحسب أن بلوغ هذه المرتبة من يسير الأمور التي تُرتَقَى بغير عناء، بل هو سعي دءوب، وتضحية خالصة، وإرادة ماضية.

ويزداد الإنسان تمسكًا والتصاقًا بالمعنى كلما ازداد الدعم الذي تقدمه المعرفة حول جوانب هذا المعني وأبعاده، والمعرفة هنا هي أشبه بالفرشاة التي تزيل ما علق بتمثال من أتربة لتتضح معالمه، وتستبين لأعين الناظرين؛ فالرغبة الوجودية التي تساور كل فرد منا بين الحين والآخر باحتياجه إلى معنى حقيقي، ينقذه من الوقوع في براثن العبثية، قد تتبخر إلى الفضاء، إن لم يحوطها وعاء المعرفة، فيكثفها ويرسم لها سبيل سريانها، لتصل إلى مصبها آخِرًا، فلا يلبث الفرد هنا أن يروي ظمأه، وربما بسط يده قدر وَسِعَه معناه وقدراته، ليرتوي الآخرون من نبعه ذاك.

وتلك المعرفة التي قررنا أنَّها عامل هام لاستكناه المعنى إنَّما تُستقى من محيط إن اتسع كَثُرت شطآنه، ومن ثم عَظُمت منافعه، لاسيما إن أُطلقت حرية الملاحة فيه لكل من أراد الإبحار وقدر عليه، وما هذا المحيط إلا الثقافة، فهي بيئة المعرفة؛ وكلما اتسعت آفاق تلك البيئة، نمت ربيبتها المعرفة، فأينعت وأزهرت؛ بيد أن مثل تلك البيئة ليست شرطًا ضروريًا لوجود الإنسان الأعلى، وإن كانت تمثل عامل إثراء وغنى، فنفسه الثائرة المتشوقة ـ أبدًا ـ إلى العلو تستطيع أن تتغلب على جدب البيئة، تلك التي  صادف أن نشأت فيها، فتزداد حساسيتها رصدًا لكل ما يمكن أن تتشكل منه المعرفة لديها، والإنسان الأعلى هنا أشبه ما يكون بالنبات الصحراوي، الذي تمتد جذوره في تربته الجدباء لتمتص كل ذرة ماء تمكنه قدرته من الوصول إليها، لكن ينبغي هنا أن نستدرك لنشير إلى أن كمال الإنسان الأعلى إنَّما هو وَقْفٌ ـ بدرجة كبيرة ـ علي ما يفعل، لا علي ما يعرف فقط.

والمعرفة ـ لدى الفرد ـ لا تتوقف عند حد كونها مجرد مدركات حسية ـ وذلك بعكس وجودها لدى الكائنات الأدنى مرتبة ـ بل هي تخطو خطوة للأمام لتتقولب على هيئة قوالب ذهنية، يحدد خصائصها العقل، بحسب الهدف أو الغاية التي يسعى ذلك الفرد لبلوغها؛ ولدى الإنسان الأعلى تتحدد هذه الخصائص تبعًا للمعنى الذي كرَّس له حياته، وهي بذلك تكون في الدرج الأعلى من المعارف، وتكتسب مكانتها تلك من حيث كونها خادمةً لأشرف ما في الوجود، إنَّه الإنسان من حيث هو متجاوز أو أعلى.

 

 

أضف تعليق